حول المحاظر والمعاهد .. بعيدا عن السياسة

اثنين, 01/04/2016 - 09:11

﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾

سنتعرض في هذه السطور لكارثة عظيمة تعاني منها البشرية اليوم ونعاني منها في بلدنا بشكل تجاوز ما يمكن تحمله مع تقديم بعض المقترحات لمواجهة هذه المشكلة.

أصبحت حوادث السير إحدى أكبر الآفات التي تهدد حياة الإنسان على الكوكب الأرضي ولبلادنا النصيب الأوفر من هذه الكارثة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار عدد السكان مقارنة بالدول المجاورة والدول الأخرى.

فوفقا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية، فإن الحوادث المرورية تحصد أرواح أكثر من مليون شخص سنوياً، وتصيب ثمانية وثلاثين مليون شخص (خمسة ملايين منهم إصاباتهم خطيرة).

حوادث السير في المغرب بلغ عدد القتلى من ضحايا الطرقات خلال الأربعة أشهر الأولى من سنة 2015 أكثر من ألف قتيل (1003)، وما يزيد عن 31 ألف جريح، منهم 2870 إصاباتهم بليغة، وهو ما يمثل ارتفاعا بنسبة حوالي 4 في المائة مقارنة بالأشهر الأربعة الأولى من سنة 2014.

وفي السنغال يصل عدد الأشخاص الذين يلقون حتفهم سنويا بسبب حوادث السير، إلى أكثر من 350 شخصا، دون احتساب عدد المصابين بعاهات وأوضحت الصحافة المحلية، أنه في سنة 2013، تعرض أزيد من 22 ألف سنغالي لحادثة سير.

وفي مصر قتلت حوادث السير 62 ألف شخص في العام 2010م بينما كان عدد شهداء حرب أكتوبر في حدود 7 آلاف شخص.

وفي السعودية ارتفعت حصيلة الوفيات نتيجة الحوادث المرورية خلال عام 2013 بنسبة 0.3 في المائة، بنحو 23 حالة وفاة مقارنة بوفيات عام 2012 والبالغة 7638 حالة وفاة. وفيما يخص عدد الحوادث، فقد تراجعت خلال الفترة بنسبة 11 في المائة أي بنحو 62.8 ألف حادث، ليبلغ إجمالي الحوادث خلال عام 2013 نحو 526.4 ألف حادث مقارنة بـ 589.3 ألف حادث خلال عام 2012.

أما عندنا في موريتانيا فقد أظهرت بعض الإحصائيات أرقاما مخيفة إذ بين تقرير نشر قبل سنوات أن 221 شخصا قتلوا في 2028 حادث سير على مختف الطرق الوطنية خلال سنة 2009، وبلغ عدد الجرحى المسجلين في تلك الحوادث 3094 جريحا، ويستند التقرير إلى إحصائيات للدرك الوطني، والشرطة المكلفة بسلامة المرور.

وخلص التقرير الذي أعدته إحدى أكبر شركات التأمين في موريتانيا إلى أن أسباب تلك الحوادث تتلخص في "تهور السائقين والحالة المتهالكة للطرق، وللسيارات".

ويشير تقرير جديد إلى أن عدد القتلى و الجرحى في حوادث السير قد تضاعف ثلاث مرات منذ العام 2007، حيث كانت إحصائيات رسمية أكدت أن تلك السنة شهدت 7923حادث سير، حصدت 50 قتيلا و 1660 جريحا، وهو ما يعني تناقصا كبيرا في عدد الحوادث مقابل ارتفاع ضحاياها.

وبحسب إحصائيات الدرك الوطني التي أعدها المكتب المركزي للأبحاث بهذه المؤسسة، فإن العام 2013 عرف أكثر من 653 حادث سير خلفت بشكل فوري 130 قتيلا وأكثر من 1097 جريحا 360 منهم جراحهم بالغة الخطورة وتعني هذه الإحصائية وجود حادث سير بمعدل مرة في اليوم على عموم موريتانيا بالنسبة للعام 2013.

أما العام 2014 فلا يبدو أن الظاهرة عرفت بعد انحسارا إذ تقول ذات الإحصاءات التي يعدها المكتب إن البلاد عرفت حتى شهر أكتوبر 2014م أكثر من 536 حادث سير خلفت 138 قتيلا وأكثر من 944 جريحا 305 حالاتهم حرجة و639 منهم حالاتهم عادية وهو ما يعني أن الحوادث في ازدياد والضحايا كذلك.

أما سنة 2015م فلم أطلع على إحصائياتها لكنها شهدت حوادث كثيرة قاتلة وكل الدلائل تشير إلى أن الرقم سيكون أعلى مقارنة بضحايا العام 2014م ولكن الملاحظة الأبرز هي أنه بمقارنة عدد الوفيات والإصابات في بلدنا نتيجة حوادث السير مع الأرقام المماثلة في البلدان المجاورة نجد أن الحوادث عندنا كانت مرتفعة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار نسبة الحوادث إلى عدد السكان.

أسباب الحوادث

أسباب الحوادث كثيرة لكن يمكن إجمالها في أسباب كبرى هي :

- العنصر البشري والسائق والمشاة والمركبة والطريق وفي التفاصيل يمكن أن نذكر:

 أولاً: السائق (العنصر البشري) تعب وإرهاق السائق ووقوعه تحت تأثير الانفعال. وانشغاله عن القيادة. وعدم التقيد بأنظمة المرور ومن أهمها تجاوز السرعة النظامية وعدم ربط حزام الأمان واستخدام الهاتف أثناء السياقة وعدم أخذ القسط المناسب من النوم والراحة وتجاوز وعدم تشغيل الإشارات عند أخذ المنعطف إلى اليمين أو اليسار والتهور في القيادة.

وقد أكدت دراسة حديثة في السعودية أن (85%) من الحوادث المرورية سببها العنصر البشري.

ثانيا: المشاة

عدم أخذ المشاة للاحتياطات الواجبة قبل العبور وعدم وجود ممرات أو جسور تؤمن لهم المرور بسلام وتركالأطفال دون مرافق.

ثالثا: المركبة

عدم صيانة السيارة / المركبة أو فحصها وزيادة حمولتها وعد الاهتمام بشكل خاص بالإطارات / العجلات عدم وجود معدات السلامة.

رابعا : أحوال الطريق

أعمال على الطريق، منحنيات خطيرة، عدم وجود عوامل السلامة وأحوال الطقس (مطر، ضباب، رمال) والظلام وعدم صيانة الطريق وعدم حمايتها من الحيوانات.

اقتراحات

كيف السبيل لمواجهة هذه الآفة التي تجاوزت في خطورتها الحروب والأمراض الفتاكة؟ للتخفيف من هذه الآفة نحتاج إلى حملة توعية يشترك فيها الجميع على النحو التالي:

- تنظيم برامج إعلامية في القنوات المرئية والمسموعة وفي الصحافة المكتوبة ووسائط التواصل الاجتماعي لتوعية الناس بأهمية الالتزام بالقواعد المرورية.

- تخصيص خطب الجمعة  للتنبيه على أهمية هذا الموضوع وتناوله من زاوية وجوب حفظ الكليات المعروفة التي منها النفس والمال والدين.

- تشديد السلطات الرسمية الرقابة وتطبيق الغرامات على السيارات المخالفة وعلى السائقين الذين لا يلتزمون بقواعد المرور ومن أهمها ربط الحزام واستخدام الهاتف أثناء القيادة.

- تخفيف السرعة والانتباه لمفاجآت الطريق وأقترح أن تكون السرعة القصوى في طرقنا لا تتجاوز80 كم في الساعة.

- التقليل من السفر ليلا خاصة في الأماكن الوعرة.

- أخذ قسط مناسب من النوم والراحة قبل القيادة.

- عدم زيادة حمولة السيارة عن المسموح حسب الأعراف الدولية.

- اصطحاب وسائل ومعدات السلامة.

- فحص السيارة والإطارات قبل السفر.

- عدم القيادة لفترات طويلة.

- عدم القيادة أوقات الانفعالات وتحت التأثيرات النفسية.

- السعي لجهد دولي مشترك يلزم مصنعي السيارات بأن تكون السرعة المتاحة في السيارة هي 100 كلم في الساعة فقط.

أهمية حزام الأمان

يمكن القول أن *المحظرة* على طبيعتها مؤسسة أهلية تعليمية تقليدية تدرس علوم الدين خدمة للدين لا غير وتبتعد مطلقا عن الشبهات المالية ،أما *المعهد* فهو مؤسسة تعليمية عصرية لها طبيعتها التي يحددها القيمون عليها تبعا لمشاربهم الفكرية أو السياسية أو الدينية ، وتختلف طبيعة الاعتمادات المالية لهذه المؤسسة باختلاف الطبيعة والأهداف والغايات ،لكن هذه الاعتمادات عادة ماتكون هي الموجه الأساسي لها فكريا وتنظيميا وتعليميا ؛خاصة إذا كانت مقدمة من جهات خارجية لها أغراض إيديولوجية .

ومما لاشك فيه أن *المحظرة* منشأة مقدسة يحترمها الموريتانيون سادة ومسودين رؤساء ومرؤوسين ،ولقد دأبت الدولة على رعايتها ورعاية القيمين عليها ،وجسدت ذلك في اعتماد مخصصات مالية سنوية لهذه المحاظر الأهلية الأصلية وسنت رواتب لأغلب مدرسيها إضافة إلى استحداث رواتب لأئمة المساجد في سابقة معروفة ومشهودة ، وتوجت هذا الاهتمام الرسمي ب*المحظرة* بتجسيد وجود هذه *المحظرة*عالميا من خلال فناة "المحظرة" التي تتزين شاشتها بمشايخ تلك *المحاظر* المعروفة والمألوفة ، ولا يمكن للدولة أن تغلق منها واحدة أو تضايق وجودها أو تمنع مرتاديها من ارتيادها ؛ مع أن هناك من يصرون دائما على خلط الأمور وقلب الحقائق لأغراض سياسية ؛دفعت بهم إلى إلباس *المعهد* ثوب *المحظرة* ، ومعروف أن هذه *المعاهد* أنشأها منشئوها بتمويل موجه وبأفكار موجه خدمة لأجندات خارجية لا تخفى على ذي بال ، مهما اتخذ القرآن ستارا لذلك وعلومه قناعا ،فالارتهان الفكري للقيمين على هذه *المعاهد* بفعل تحكم التمويلات في الميول والنيات ..

إن هذه *المعاهد* لم تكن يوما تتمتع ببراءة *المحظرة* الشنقيطية ونزاهتها وربانيتها بعيدا عن التزلف السياسي والارتهان الفكري والتبعية المالية المتحكمة في البرمجة والتوجه والتسيير ، ومما يزيد التفريق بين الإثنين وضوحا ؛أن المحاظر تعطي {الإجازة} على طبيعتها التي توارثتها الأجيال الشنقيطية وهي تقدير علمي مهاب ومصان ،أما هذه *المعاهد* فهي تعطي {شهادات} بمنتهى السهولة يكتب عليها بوضوح أنها تعادل [شهادة البكالوريا] مثلا التي يصعب وأحيانا يستحيل على كثيرين الحصول عليها ، ويمكن تصور ما سيكون للأمر من إرضاء نفسي وانجذاب سياسي من وإلى ..!

لقد ثبت في الماضي القريب أن هذه العبارات التي تجعل {إفادات} و{شهادات} هذه *المعاهد* التي لم ترخص بعد تعادل [شهادة البكالوريا] هو الذي استفسرت عنه بعض الدول المجاورة التي طرقت أبواب "جامعاتها" من طرف حاملين لهذه {الإفادات} و{الشهادات} ؛فكان رد "الحكومة" على ذلك بنفي التعادل مع [شهادةالبكالوريا] إذ لا تعادلها {شهادة} ولا {إفادة} ممنوحة على أرض الوطن من أي *معهد* كان ، مع أن هذه *المعاهد* محل النقاش فتحت أصلا دون الرجوع إلى الدولة وأخذ "تراخيص" من "الوزارة الوصية" رغم سهولة الأمر أصلا وأهمية ما يترتب عليه من تنظيم قانوني .. وبالرغم من انفراط عقد التواصل بين "الوزارة" وهذه "الهيئات" وعدم الرجوع إليها في هذه الأمور التي تخضع لوصايتها في الوقت الذي ترتبط فيه هذه *المعاهد* بجهات خارجيه تتحكم في قراراتها وتوجيهها ومصائرها..!

من هنا يتضح أن *المحظرة* بطبيعتها الأهلية التقليدية *مقدسة* ويتضح أيضا أن دورها منحصر في تدريس علوم الدين بدءا بالقرآن وعلومه والمتون الفقهية وتعطي {الإجازة} بطريقة معروفة ومألوفة وقديمة قدم "شنقيط" العلم "شنقيط" المنارة والرباط ولا تمولها جهات أجنبية ولا يغذيها فكر وافد على هذه البلاد ، إنما تستمد قدسيتها وتغذيتها الروحية وتبعيتها الفكرية من التربة الشنقيطية التي سقيت بغسيل ألواح علماء شنقيط اللذين عرفوا بخدمتهم للعلم وإيمانهم به بعيدا عن السياسة والتسيس والتسييس .. ويتضح كذلك أن *المعهد* مؤسسة عصرية طبيعتها إدارية وتوجه توجيها يتحكم فيه عاملي "التمويل" و "الإشراف" على الأقل،ومن الصعب بل من المستحيل أن تنفق أموال وافدة من خارج البلاد على *معاهد* دون أن ترسم لها خطوط فكرية وتوجهات إيديولوجية لا حيد عنها ولا اعتذار ، وسيظل القيم على تلك المعاهد مقيدا باتباعها ملزما بتقليد ما أريد له تقليده محاكيا موجهه إلزاما والتزاما .. وطبعا كما هو معروف أن التلميذ يقتفي أثر شيخه غالبا إن كان ذلك في ظروف طبيعية تحركها رياح العفوية فما بالك بها إن أريد لها إتقان الاقتفاء ووضع الخطا تماما فوق الخطا ..!

إن المتتبع لحال بلادنا اليوم لن يفوته أنها تعيش على صدى إذاعة القرآن الذي يصل كل مواطن في بيته سواء كان في المدينة أو الريف في المتجر أو المزرعة أو خلف قطعان الماشية في البراري ، كما لن تفوته نعمة قناة ^المحظرة^ التي يشع نورها في أصقاع العالم ،فلقد أضافت هذه القناة إلى العلوم والمعارف العالمية إضافة كبرى فصار طلابها عن قرب كثر وإن أبعدهم المكان عن مركز إطلاقها ومقراتها فسهل علي الصيني المسلم والفلبيني والأندنوسي وغيرهم قبل العربي والإفريقي تصحيح معتقدهم والنهل من علومها الغزيرة في بيوتهم وعلى أسرتهم بأسلوب شنقيط ومحظرة شنقيط وعلماء شنقيط .. ومما لا جدال فيه اليوم أن أكثر المعرفين ببلادنا تأثيرا وإصابة للهدف النبيل ؛هي قناة "المحظرة" التي اكتسب الوطن من خلالها شهرة عالمية تفوق جهد السفراء والتجار ورجال الأعمال القدامى والجدد ؛فجمعت ماحققه رجال العلم في سالف الزمن لهذا الوطن وزادت عليه بما طرأ بعده وأوصلته إلى حيث لم يتسن لهم الوصول إليه بفعل ذيعان صيتها وغزارة علومها وتوفرها وكثرة انتشارها وتزايد المحبين لها والمتابعين ، هذا بالإضافة إلى المصحف الشنقيطي الذي طبع لأول مرة بجهد وطني خالص وتعرفون كم للأمر من قيمة معنوية وتعبدية وكم ينال به من القرب إلى المولى عز وجل ، ومن الصعب أن يتم إقناع المواطن العادي -بعيدا عن السياسة- أن حكومة باشرت هذه الأعمال الإسلامية التي لم يسبق لها مثيل أنها حكومة تحارب القرآن أو تضيق علي الدين ، ومن الصعب أن نفهم أنها هي التي اقترن اسمها مع هذه المنشآت الدينية ثم يرتبط اسمها مع نقيض ذلك..!

إذا الرمز السري في القضية هو اختلاف طبيعة *المحاظر* الخالدة التي لم تستهدف و لايمكن لكائن من كان أن تسول له نفسه مضايقتها أحرى إغلاقها وبين *المعاهد* المسيسة والموجهة والخارقة للقانون والتي طلب منها فقط أن تسلك مسلك القانون والابتعاد عن تمييع الدولة وإذابة رمزيتها في عدم التبعية للوزارة الوصية ..!

إن المتتبع للأحداث العالمية اليوم يدرك مدى إلحاح استحداث نظم وترتيبات مع التحري والدقة في التفتيش والمتابعات .. لقد كسر الإرهاب كل الأسوار وتجاوز كل الحدود وفك كل القيود وخرق كل الستائر وأسقط كل الأبواب ؛فعمت البلوى بالفتن والاقتتال..وحال دول الجوار يجيب على كل استفهام وسؤال ويجعل الحزم و الحيطة أولى.

أخيرا علينا جميعا مهما كانت الدواعي والأسباب أن نتجاوز المرحلة ونفك لغز المشكلة ؛فكلام الله أسمى من توجهات الأحزاب وتوظيفاتهم،وعلى الحكومة أن ترعى ذلك بحل المشكل وفق السبل القانونية بدءا بترخيص *المعاهد* التي تتمتع بالأهلية القانونية لذلك وعليها بعد ذلك أن تراقبها وتفتش في تمويلاتها وطبيعة صلاتها بالخارج ؛ فكلام الله أرفع وأعز وأجل من الجميع .

عثمان جدو