رحيل الشيخ حرمة بن ببانا .. صدمة أخرستني! /محمد ينجح ولد دهاه

ثلاثاء, 02/02/2016 - 15:44

يرحل كل يوم عن عالمنا المليء بالمتناقضات رجال ونساء كثر! تتفاوت درجات تأهبهم لسفر الحياة الأبدي الذي قطع الرب على نفسه عهدا أن يذيق كل نفس منه نصيبا مفروضا.

وجرت عادة الأحباب أن يشيعوا رحيل أحبتهم بما تجود به القرائح، من نظم ونثر، وأن يتذكروا أيام أنسهم بهم ويقدموا شهادات على سيرتهم؛ ولكنني هذه المرة وجدتني مضطرا لأسير عكس التيار، فالصدمة أخرستني!، ولم يسعفني الذهن الخوان لأعبر عن حقيقة رجل وقف الزمان حائرا أمام عظمته، وخضع لتواضعه تكبر المتكبرين وأفحمت تعابيره عن الحب أئمة العاشقين، من أمثال الحلاج وابن الفارض. فكانت هجيراه في العشق الإلهي والوجد الصمداني:

ومن عجب أني أحــــــــــــــــن إليهم .... وأسأل عنهم من لقيت وهم معي

وتطلبهم عيني وهم في سوادها .... ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي

ولن أبالغ إن قلت إن تعابير وجهه عند رؤية المحبوب أو سماع كلامه أو حتى حديث المحدثين عنه لا تستطيع المعلقات العشر التعبير عن معشار عشرها،

حديثه أوحديث عنه يطربني .... هذا إذا غاب أو هذا إذا حضرا

كلاهما حسن عندي أسر به .... لكن أحلاهما ما وافق النظرا

جمعتني الأقدار بشيخي ووالدي وحبيبي وصفيي وقرة عيني حرمة بن خين بن عبد الله بن محمذن بن ببانا وأنا في غيابات جب الطفولة أمخر عباب ظلمات الجهل والغرور، فكان لي نعم الأب والمربي ونعم الناصح والمعين، ونعم الخل الوفي والصديق الملاطف، كانت مجالسي معه سلما تدرجت به إلى فهم معنى الحياة وقيمتها والغرض من الحياة الدنيا وزينتها، ولم تكن دروسه في ذلك مجرد كلام، ولكنها كانت أفعالا ماضية وجملا إسمية خبرها محذوف ولا تنتهي حتى تبدأ من مبتدأ جديد.

كان لي معه الكثير من القصص والحكايات لن يتسع المقام لسردها مهما اتسع، وسأضرب صفحا عن التصدي لتفصيلها، ومن أحسن ذلك عندي ما كان يدور في حضرة شيخي وسيدي محمد مختار بن دهاه، من لطيف الكلام عن الحب والمحبة والحبيب والمحبوب وعن الفناء والفناء عنه وعن الحياة وحياتها وعن الحي الواحد الباقي الدائم الذي لا يموت:

دهر مضى جمعت لنا أيامه .... شمل السرور فهل له من مرجع؟

لن أطيل الكلام فلن يوفي المقام حقه، ولعلي أجد من العمر والوقت فسحة أكتب فيها عن تفاصيل أيام جمعتني به فقد كان حرمة الرحمان باختصار شديد نورا يمشي على الأرض مقرا لأهل الفضل بفضلهم مراعيا حق الخالق في كل مخلوق، مثالا يحتذى في كمال فطنته وقوة أدبه الموروث والمكتسب وحسن معاملته للصغير والكبير، وصبره على الصمت حتى يظن من ليست له معرفة به أنه لا يحسن الكلام.

يا لا ئمي في هواه والهوى قدر .... لو شفك الوجد لم تعذل ولم تلم

أولئك آبائي الذين لن أسمع في أمر التعلق بحبهم والحنين الأزلي الأبدي لعهدهم عذل عاذل لم يذق من حميا الحب ما ذقته ولم يتأمل توقد الخال في وجوههم حين ينتشر فيها السرور والغبطة بالمحبوب، فتتراءى فيها الجدر ويخترق الحسن المنتشر فيها حجب القلوب ليحثها إلى رفع الهمة إلى مداومة التعلق حتى بلوغ المطلوب وحصول المرغوب:

خال بوجنة ذات الخال مرجانا .... يخال في العينين ياقوتا ومرجانا

تبا لمن قال إن الخال منقصة .... ليــــــــت الوجوه جميعا كن خيلانا

....

ترجل فارس المحبة الصادقة والإنفاق في سبيل الله وصلة الرحم في آخر ساعة من يوم الجمعة مقبلا على الذكر مدبرا عن الدنيا مسلما وجهه إلى الله وهو محسن وبقيت بعده أنشد حسرة على فراقه:

يا قاطعين حبال الوصل مذ رحــــــــــلوا .... قطعتم بسيوف الهند أوصالي

إن كان يوسف أوصى بالجمال لكم .... يعقوب والده بالحزن أوصى لي

وقد أحسن العلامة امحمد ولد أحمد يورة في رثاء الشيخ سعد أبيه حيث يقول:

نواصح لكن كيف يسمع قيلــها ؟٠٠ بثينة من تهوى وأنت جميلــها !

يمــــــــــــينا ومن خير الألايا أليــــة ٠٠ يكون على المولى مبينا دليلـها

لقد هيج البرق اليماني موهـنــا ٠٠ بقايـــــــــــــــــــا هوى لا يستقل قليلــها

وأظلمت الأيام مذ بان بدرهـــا ٠٠ ودفـــــــــــاع جلاها الرضى وجليلـها

ومن كان للنـزال أمنا ومنــزلا ٠٠ وكــــــــــــــــــــــعبة أمن لا يضام نزيلـــها

ومن كانت الأفواج في كل موطـن ٠٠يلوذ به تنبالها ونبيلـــــها

له دعوات في العباد مجابــــة ٠٠بها اعتل عاديها وصح عليلـها

تناوحت الدنيا لفقدان شيخهــا ٠٠كما ناحت الورقاء بان هـديلها

وإن العين لتدمع والقلب ليخشع ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا على فراقك يا والدنا وشيخنا حرمة لمحزونون وإنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين.