المشهد السياسي.. قراءة في الواقع .. واستشراف للمستقبل

أربعاء, 03/30/2016 - 08:29

ملف خاص ـ (أنباء أطس) تعيش الساحة السياسية الموريتانية ركودا واضحا، مع مزيد من المواقف الحادة والمتناقضة لأطرافها الرئيسيين كالنظام، المنتدى، مؤسسة المعارضة، كتلة المعاهدة.

ويلقي ركود الساحة السياسية هذا، مع الأزمة الاقتصادية الخانقة في ظل سياسة تقشف رسمية غير معلنة، بمزيد من الضباب حول مستقبل البلد بصورة عامة خاصة من الناحية السياسية.

وتدور أحاديث كثيرة عن سعي النظام لإيجاد حل للازمة السياسية،  من خلال حوار "بمن حضر"، في حين يرى بعض المراقبين أن النظام عازم على تنظيم انتخابات مبكرة يشارك فيها الجميع.

ومما زاد الطين بلة وخلط الأوراق، أكثر تصريحات لبعض وزراء النظام عن "المأموريات الرئاسية وضرورة تعديل الدستور لزيادتها" لصالح الرئيس الحالي  وهو ما أثار لغطا كثيرا في البرلمان وخارجه.

في التقرير التالي، نظرة على المشهد السياسي واستشراف للمستقبل بموريتانيا.

   

 

حلول سياسية متوقعة

تقول مصادر مقربة من النظام إنه يسعى لتنظيم حوار سياسي مع أطراف واسعة في المعارضة، يقترح فيه تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة، كخطوة من أجل وضع حد للأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ عدة سنوات.

وأضافت تلك المصادر أن النظام قدم عبر عدد من الوسطاء ما يصفه بـ"تنازلات كبيرة" في مقدمتها انتخابات تشريعية ومحلية قبل نهاية العام الحالي، وهو يبدي استعداده  "لتنظيم انتخابات تشريعية ومحلية يشارك فيها منتدى المعارضة وغيره من تكتلات المعارضة، مع إصلاحات سياسية من ضمنها إلغاء عدد من المؤسسات الدستورية والعمومية، مثل مجلس الشيوخ، الغرفة العليا في البرلمان الموريتاني، بالإضافة إلى وسيط الجمهورية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي.

وتشير مصادرنا إلى أ النظام بدأ فعلا التحضير للقاءات تشاورية سرية مع ابرز أقطاب المعارضة في سبيل إقناعهم بالدخول في الحوار المرتقب.

 

المنتدى... لا علم لنا بأي معلومات حول الحوار

 

من جهته المنتدى مازال يواصل لهجته الحادة ضد النظام، ويعتبر انه غير جاد في تنظيم حوار سياسي وهو ما أكده الرئيس الدوري للمنتدى صالح ولد حننا في مؤتمر صحفي،  حيث قال: " نحن مثل الشعب لا علم لنا بأي معلومات عن الحوار السياسي"، مضيفا أن الأوضاع صعبة والنظام يضيق على الأحزاب السياسية والحريات العامة. مضيفا القول، أن: "الحكومة أثقلت كاهل المواطن بالضرائب والأسعار"، منتقدا السياسات الحكومية التي وصفها بـ"الفاشلة".

وأكد ولد حننا أن منتدى المعارضة سكان مدن الداخل يعيشون "مشاكل حقيقية" في مقدمتها "أزمة العطش"، مشيراً إلى أن سكان مقاطعات جكني وتمبدغة وكوبني"، يعانون من العطش رغم الوعود التي تلقوها من النظام منذ سنوات . 

ومن تلك المشاكل التي ذكر ولد حننه، هشاشة البنية التحتية الصحية والتعليمية في الولايات الداخلية، منتقداً في السياق ذاته برامج الحكومة لمساعدة المواطنين. منبها إلى أن "المواد الغذائية التي تقدم في إطار (برنامج أمل) الحكومي غير صالحة للاستخدام".

 

المعارضة الرسمية تشكو التهميش من النظام

 

من جهته انتقد الحسن ولد محمد رئيس مؤسسة المعارضة الديمقراطية ما سماه ظاهرة تعطيل المؤسسات الدستورية الموريتانية والقفز عليها، بل وتعطيل الدستور الذي تستمد منه هذه المؤسسات شرعيتها إن تطلب الأمر ذلك.

وأكد ولد محمد، "أن من مظاهر الطرافة في ظاهرة تعطيل المؤسسات الدستورية، كون مبررات الانقلاب الذي قاده الرئيس الحالي يوم 06 – 08 – 2008، هي اتهام الرئيس المدني سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله بتعطيل المؤسسات الدستورية، وتم إنشاء محكمة العدل السامية في ظروف استثنائية أياماً بعد الانقلاب بهدف الضغط على الرئيس السابق، لكن لا أحد يتحدث عن هذه المحكمة اليوم بعد انتهاء الغرض منها، فلا مقر، ولا تشكيلة، ورئيسها أصبح قائدا لتشكيلة سياسية، وأعضاؤها خارج البرلمان، رغم الحاجة الماسة لهذه المؤسسة في الظروف الحالية التي تمر بها موريتانيا".

وقال "نحن إذاً أمام دستور معطل المؤسسات بفعل سياسة أحادية لهذا النظام والأنظمة المتعاقبة، نحن إذاً في مناخ مؤسسي مأزوم، فإذا كان هذا حال المؤسسات الدائرة في فلك السلطة فما بالكم بتعاطيهم مع مؤسسة للمعارضة نريد لها أن تكون بديلاً جاهزاً ومراقباً يقظاً وحارساً أمينا لمصالح البلد وحصناً له من الفساد والمفسدين ".

واشتكى الحسن ولد محمد من إهمال اللقاءات بينه مع رئيس الجمهورية التي تنص عليها المدة 12 من القانون المنظم لمؤسسة المعارضة والتي تنص صراحة على أنه «… من أجل تشجيع الحوار السياسي بين الحكومة والمعارضة ينظم لقاء دوري كل ثلاثة أشهر…» هذه اللقاءات، يقول ولد محمد، لم يحصل منها إلا لقاء واحد مع كل من الرجلين (الرئيس والوزير الأول) رغم تنبيهنا في الوقت، وكثرة ما لدينا من ملاحظات على الأداء الرسمي ".

وتحدث عن قضية الحوار السياسي بين النظام الموريتاني ومعارضيه، قائلا: "إن موريتانيا تعيش لحظة دستورية غير مسبوقة في تاريخ البلاد، فنحن أمام رئيس في مأموريته الأخيرة دستوريا، وعليه بقوة الدستور أن يغادر الحكم 2019، ونحن أمام واقع سياسي ومؤسساتي هش، وبلدنا معرض لاضطرابات اجتماعية خطيرة، زرعتها الأنظمة السابقة وكرسها النظام الحالي وزاد من خطورتها، وفي محيط إقليمي مضطرب يهدد كيانات الدول بالاضمحلال، وعليه فإن أي عبور آمن من الواقع الذي تحدثت عنه آنفاً، لا يمكن أن يكون إلا عبر حوار سريع و شامل وصريح يفضي إلى توافق وطني يكرس التناوب، ويطلق الحريات، ويؤسس لدولة القانون والعدل، وينصف المظلومين والمهمشين".

ونبه إلى أن نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، طغت فضائحه على كل الملفات الأخرى، فملف فضيحة تازيازت أمام القضاء الأمريكي، وجاءت تحقيقات «لوموند» الفرنسية عنها بما يقطع الشك باليقين، وملف فضيحة الانتخابات والرشى المقدمة فيها التي قال فيها القضاء البريطاني كلمته، وفضيحة الاستبداد التي طالت مباراة «65 دقيقة» أطبقت أطراف الدنيا كلها.

والأدهى من كل هذا، يقول زعيم مؤسسة المعارضة، أن موريتانيا تتجه لتصبح أحد الثوابت في العناوين الرئيسية لأخبار المخدرات، ولم يعد الحديث فيها عن تاجر أو مهرب يحمل على كفيه كمية صغيرة يحاول النجاة بها، وإنما أضحى الحديث عن الطائرات والمطارات، وأسراب السفن والقوارب، وعابرات الصحاري، والمنازل والشقق المملوكة لشبكات عابرة للحدود في أرقى أحياء العاصمة نواكشوط .

 

النظام تصريحات مربكة ومواقف غامضة

النظام من جهته، يبعث برسائل مربكة ومتناقضة، ففي حين يصر رئيسه محمد ولد عبد العزيز على تنظيم حوار سياسي ويكرر عزمه على ذلك أكثر من مرة، وفي كل مناسبة يتجه الحزب الحاكم الى تنظيم بيته الداخلي بعد هدوء حذر عقب" الحرب الباردة" بينه والحكومة بسبب خلافات على المهام والدعاية السياسية والدفاع عن النظام.

ويقول مراقبون إن المؤتمر الطارئ للحزب الذي كان مقررا هذا الأسبوع وألغي بسبب وفاة وزير التجهيز والنقل محمد ولد خونه، هدفه الرئيسي هو ترتيب البيت الداخلي والاستعداد لحملة الانتساب لتجديد قواعد الحزب، في انتظار تطورات لاحقة، يرون أنها ربما تكون على علاقة بانتخابات مبكرة  مبرمجة من طرف النظام بصورة نهائية كخيار وحيد للخروج من الأزمة السياسية في البلاد.

بيد أن المراقبين يرون أن هنالك مواقف مربكة، في ظل  تصريحات متناقضة مع الدستور لبعض وزرائه الذين دعوا لتعديل الدستور، لتشريع مأموريات إضافية للرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز وفي مقدمة الوزراء المنادين بذلك وفي البرلمان وزير الاقتصاد والمالية المختار ولد اجاي ووزير العدل ابراهيم ولد داداه .

وطبعا أثارت تصريحات الوزيرين عاصفة من الانتقاد، باعتبارها خرقا فاضحا للدستور وتزيد من صب الزيت على النار وكان من أول المنددين منتدى المعارضة.

وانتقد المنتدى إثارة الوزراء أصلا قضية المأموريات، معبرا عن استهجانه «الكامل لتصريحات الوزراء المنافية  لنص الدستور وروحه»، مشيرا إلى أن تلميحات الوزراء، تنم عن عدم المسؤولية وعن احتقار الدستور وازدراء الشعب.

وطالب المنتدى بوضع حد لمثل "هذه التصريحات التي ليس لها من مبرر سوى التملق والسعي وراء المناصب والمكاسب حتى ولو كان ذلك على حساب قدسية المواد الدستورية المتعلقة بالتداول السلمي على السلطة " .

واعتبر"أن أي تصريح أو تلميح يستهدف المكتسبات الدستورية المتعلقة بضمان التناوب السلمي على السلطة، عمل تخريبي تجب معاقبته لما له من عواقب وخيمة قد تؤدي – لا قدر الله – إلى تقويض السلم الأهلي وتفجير الوضع المحلي المتدهور أصلاً".

وينص الدستور الموريتاني في المادة 29 على"تسلم الرئيس المنتخب مهامه فور انقضاء مدة رئاسة سلفه، ويؤدي رئيس الجمهورية قبل تسلمه مهامه، اليمين الذي يضمن قسماً بالله العلي العظيم «ألا أتخذ أو أدعم بصورة مباشرة أو غير مباشرة أي مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمدة مأمورية رئيس الجمهورية وشروط تجديدها الواردة في المادتين 26 و28 من هذا الدستور".

وتنص المادة 28 من الدستور على «أنه يمكن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمرة واحدة»، كما تنص المادة 99 على أنه"لا يجوز الشروع في أي إجراء يرمي إلى مراجعة الدستور، إذا كان يطعن في كيان الدولة أو ينال من حوزة أراضيها أو من الصبغة الجمهورية للمؤسسات أو من الطابع التعددي للديمقراطية الموريتانية أو من مبدأ التناوب الديمقراطي على السلطة والمبدأ الملازم له".

 

موريتانيا إلى أين ؟

سؤال كبير بات أغلب المراقبين، يطرحونه بإلحاح خاصة وان قضية التناوب السلمي على السلطة التي حسمت في الدستور بعد الانقلاب على نظام ولد الطايع في أغشت 2005 لم تحسم بعد على أرض الواقع،  حيث  يرى بعض المراقبين أن انقلاب الرئيس الحالي 2008 على الرئيس المدني المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله خلط الأوراق وجعل البلاد أمام مسارين لا ثالث لهما :

الأول: مسار يهدف إلى خروج البلاد من دوامة الأزمة السياسية، عبر وفاق سياسي وتنظيم انتخابات مبكرة برلمانية وبلدية، تمهد لتناوب سلمي على السلطة في مؤسسة الرئاسة والوصول بالبلاد إلى بر الأمان مرة أخرى، كما وقع بعد انقلاب 2005. ولكن هذا الخيار لم تنضج معالمه بعد.

المسار الثاني هو بقاء الركود السياسي والتجافي وحرص الرئيس الحالي على البقاء في السلطة كما فعل ولد الطايع عبر ماكينة انتخابية وآليات غير ديمقراطية، وذلك لأطول فترة ممكنة وفتح الباب أمام تغيير بانقلاب عسكري جديد وعودة البلاد، لمربع عدم الاستقرار السياسي مجددا لا قدر الله وهذا المسار لا يرجوه الشعب و لا يريده.